أدهم الزعبي المشرف العام
عدد الرسائل : 8 العمر : 39 تاريخ التسجيل : 28/12/2008
| موضوع: نحن والعربية الخميس فبراير 26, 2009 4:02 pm | |
| لم تكن اللغة العربية بحاجة إلى نصرة أهلها، كما هي اليوم، فهي تشتكي أمرها لا من ضعف فيها، وإنما من ضعف ألسنة الناطقين بها، فأصحاب العربية الذين نقلوا لغتهم مع - انتشار الإسلام - إلى مشارق الأرض ومغاربها وأصبحت اللسان الوحيد السائد بين شعوب البلاد التي فتحها المسلمون، بعد أن اكتسحت كل اللغات واللهجات السائدة، أصبحوا اليوم يندبون حظها، ويتباكون عليها، لأنها لم تعد في الصدارة بين اللغات، ولا عند أهلها في سلم الأوليات. مع أنها تمثل كيانا دينيا وقوميا يمثل أغلى ممتلكات الأمة العربية والإسلامية، وجميعنا يعرف أنه لا قيام لأمة إلا من خلال لغتها .
ولغتنا العربية لغة جميلة بذاتها غنية بمفرداتها، ويكفيها شرفا أن يتنزل القرآن الكريم بها، لتظل لغة الإعجاز والبلاغة فقد شرفها الله عز وجل عندما اختارها لدين سماوي عظيم هو الإسلام، وهي اللغة الوحيدة التي تعهد الله بحفظها، كما قال عز وجل " إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون".الحجر الآية 9
وتعد اللغة العربية من أغنى اللغات بالمفردات، مما يتيح لمن يتحدث بها أن يعبر عن كل ما يجول في خاطره بسهولة مطلقة، وهي طيّعة لمن يستخدمها بما تملك من إمكانات لغوية وطاقات تعبيرية هائلة ، فهي كالأمّ تعطي أبناءها المخلصين ما يشاؤون من مفردات ففي الحماسة تقدّم أجمل الملاحم، وفي الغزل تقدّم أروع اللحظات ، وفي الحنين تقدّم أحرّ الأشواق ، وفي ..وفي ..
ويخطئ من يظن أن لغتنا العربية لا تستجيب لمتطلبات العصر أو للمستجدات الطارئة، فالعربية لغة معاصرة ومتجددة، والتراجع فيها ليس بسبب ضعفها، وإنما بسبب زوال قوة أبنائها في مجالات البحث العلمي والاكتشافات والاختراعات، فساد- بسبب ذلك – غيرنا علينا، وفرضوا لغاتهم وأنماط حياتهم علينا، وبقينا نجلس في العربة الأخيرة في قطار الحداثة المندفع بقوة نحو آفاق جديدة من العلم والحضارة.
وما يزعج الآن حقا هو تواتر المفردات غير العربية في لغتنا المحلية، وازدياد هذه المفردات بشكل سريع دون رقابة أو حساب، وكأن الأمر لا يعنينا، أو كأن الاعتداء على اللغة أمر سهل، يمكن تقبله والتعامل معه على أنه أمر واقع، مع أنني أعتقد أن الاعتداء على اللغة مثل الاعتداء على الأرض والعرض، لأن كرامة الإنسان من كرامة لغته التي يتحدث بها، فكيف نسمح لأنفسنا أن نستعمل لغة الآخر الذي نصفه بالعدو، ثم نتساوق مع مفرداته التي يفرضها علينا، كيف تصبح الحافلة ( باص ) و متجر التسوّق ( سوبر ماركت ) والحاسوب ( كمبيوتر )؟ كيف؟ وكيف؟ مفردات كثيرة ومؤلمة ومع ذلك نتقبلها، ونجعلها بديلا لمفرداتنا العربية ، فهل قبلنا باحتلال الوطن حتى تقبل باحتلال اللغة .
ولمواجهة كلّ هذا علينا أن نبدأ من أنفسنا ومن محيطنا ومن مناهجنا الدراسية حتّى نبتعد فيها عن الترديد والحفظ وننتقل إلى التعلّم الذاتي ، ونركز على الفطرة في اللغة ، ونحن نعلم أن ما حولنا يلوّث هذه الفطرة .
قال لي أحدهم : لو جئنا بأحد القدماء من شعرائنا الكبار، من العصر الجاهلي مثلاً ، هل سيعرف الفاعل وأسلوب التعجّب وأسلوب الاختصاص والمنادى و.......؟ فقلت له : بالطبع لا .
وكلّنا يعرف أنّ السبب هو اعتمادهم على الفطرة في اللغة بعيداً عن كل ما يؤثر فيها ويسيء إليها ، وقواعد اللغة الموجودة في مناهجنا ما كانت لتكون لولا خوف أبنائها عليها ومن اللحن في القرآن الكريم .
وأخيرا ، أوجه التحية إلى كل الحريصين على لغتنا الأم، وإلى كل الرافضين للبديل اللغوي، وأقدّر عاليا جهد قيادتنا الحكيمة وغيرتها على لغتنا العربية ، وأوجه التحية أيضا إلى كل من يقاطع ليس بضائع الآخر، وإنما لغة الآخر، احتراما للغتنا وأنفسنا وحاضرنا وماضينا .
أدهم الزعبي- مدرّس اللغة العربية بمناسبة يوم اللغة العربية | |
|